هل الترجمة فقدٌ أم مكسب؟ الاستاذ الدكتور سامح حنا

هل تنتقص الترجمة من نصٍ ما عندما تعبر به إلى لغةٍ أخرى، أم تُضيفُ إليه؟

في المجال العام يتحدث بعضنا عن الترجمة بوصفها تنتقص من دلالات النص المصدر وتستنزف معانيه عند نقله إلى لغةٍ أخرى؛ وهذا صحيح، فاختلاف اللغات والثقافات يستلزم أحيانًا بعض الفقد في المعنى.

لكن ما يغيب عن نقاشات المجال العام عن الترجمة هو المكاسب الدلالية التي تتحقق للنص المصدر عند نقله. عندما يسقط النص المصدر على سطح لغةٍ جديدة ينعكس نورًا جديدًا ربما لم يكن ليُرَى لو ظل النص حبيس لغته الأولى. هذا ما قصده فالتر بنيامين بتعبير "الحياة الأخرى" التي تمنحها الترجمة للنص المترجم the afterlife of translation. باستخدامه هذا المجاز يؤكد بنيامين على أن عدم الترجمة موتٌ للنص، وأن الترجمة تمنحه قبلة الحياة وتحمله إلى زمنٍ آخر وقراءٍ جدد يرون فيه ما عجز قراؤه الأصليون عن رؤيته.

يذكرني هذا بواحدة من دلالات لفظة 'translate' في معجم أكسفورد الكبير التي اندثرت في الإنجليزية المعاصرة، حيث استخدمت اللفظة (حتى منتصف القرن التاسع عشر على الأقل) لتعني "الانتقال إلى الأبدية". يدلل معجم أكسفورد الكبير على ذلك باستشهادين، أحدهما من ترجمة الملك جيمس للكتاب المقدس للنص الوارد في الرسالة إلى العبرانيين والفصل الحادي عشر عن النبي أخنوخ (إدريس) الذي "لم يرَ الموت لتقواه، ولكنه "لم يوجد لأن الله نقله" (بحسب ترجمة فانديك العربية). اللفظة المقابلة ل "نقله" في ترجمة الملك جيمس هي 'translated'. نفس الاستخدام نجده في إحدى قصائد كوليردج عندما يتحدث عن الشهداء من الجنود الذين يسقطون في الحرب، ويصفهم بأنهم لم يموتوا ولكنهم 'translated'

(من أصداء محاضرة كلية الآداب، جامعة البصرة بعنوان "الترجمة والأدب العالمي: تبصرات من حقل دراسات الترجمة")