صدرت للباحث والأستاذ والقاص والروائي لؤي حمزة عباس نوفيلا "حقائق الحياة الصغيرة". والنوفيلا رواية قصيرة تُبنى على توتر واضح بين أفعال متقابلة، يمنح السرد فرصة تأمل أسئلة الحياة والوجود، واستعراض التغيّرات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة.

ومن أمثلة التوتر ذاك، التوتر بين فعل إقدام الأولاد على إعدام القطط وحرقها في طقس جماعيّ، وفعل اكتفاء الفتى الذي تُروى الأحداث من منظوره، بالمتابعة الصامتة، والانفعال الذي يتوزع بين اللامبالاة والتألم لمصير القطط .وهو توتر يسمح للسرد بوصف الأماكن، أحياء البصرة والمعقل تحديدا، والشخصيات، سلوك الأولاد، والكائنات، خوف القطط وتألمها من تعذيب الأولاد لها، ويسمح له بالتنقل بين أكثر من مقطع سرديّ (فالنوفلا هذه مكونة من اثنين وثمانين مقطعا) قسم منها يصف علاقته بحيوان الجُرَذ الذي يشكل القرين الذي تختاره النوفيلا؛ لاستعراض الأفكار، ولابتكار مساحة للفعل لا يتيحها الواقع، فهو يتبادل معه الكلام، ويعطيه أسماء من يؤذونه في الواقع، ليقتص له منهم.

ويستمر التوتر بين الفعلين إلى أن يُحسم بطريقة صادمة، وهذه واحدة من السمات البنائية للنوفيلا؛ إذ يطلب شهاب الوحش، وهو قائد مجموعة الأولاد، من الفتى أن يحرق جثث القطط المشنوقة. وعندما لا يفعل، يهينه أمام المجموعة إهانة قاسية.

ومثل هذا التوتر يُلمح في فعلي حبّ الفتى، بلقيسَ جارتهم التي تأتي، عادة، لزيارتهم مع أمّها، وهو حبّ ساكن، وفعلها الحاث له على التعبير الصريح عن الحبّ. وتمتد مساحة التوتر بتوقف الفتى عن الفعل، فهو لا يملك الجرأة على عبور المسافة، كما يقول، لتنتهي بصدمة رؤيته سليم (صديقه المقرب)، "يلتهم شفتي بلقيس وقد اغمضت عينيها".

تصل التوترات بين الأفعال النوفيلا بالرواية التي لا تستطيع أن تهمل التغيّرات السياسيّة والاجتماعيّة مثل حرب الثمانينات وآثارها في المجتمع العراقي وثقافته؛ إذ تتحول المدارس إلى تعليم الولاء لقيم القائد، ويُجند الناس للاحتفال بحروبه تجمهرا وغناء، وتُرحّل بلقيس وغيرها آلاف العوائل العراقيّة من العراق، بدعوى تبعيتهم الإيرانيّة. وتفسح -أي التوترات- لها –للنوفيلا هذه- المجال لتأمل ما اسمته حقائق الحياة الصغيرة، الكامنة وراء الآنيّ والمتغيّر والظاهر؛ فأن يكون للإنسان قرين، حيّوان ما، يشاركه الوجود والحياة والتفكير والطعام، هو حقيقة ثابتة لا يغيّرها تحوّل جسده الماديّ في هذا الكون من حالة إلى حالة، وهو حقيقة تتوافق عليها بواطن الحكايا التي تنقلها للفتى الجدةُ، وتحتفظ بها كتب الدين والتراث والقصص القديمة.

تحفل النوفيلا، لانتسابها للقصة القصيرة، بالتأمل. وتستغل تنامي الصراع الدرامي، روائي النسب، في تقصي ظواهر الكون والحياة والكائنات والطبيعة، لتصل في النهاية الفعل بالتأمل، والظاهر بالباطن، والفيزيقيا بالميتافيزيقيا، والواقع بالخيال، ولتضمر موقفها المنحاز للثابت والجميل، على الآني والقبيح، ولتتمسك بحق الذات في الرفض، واختيار ما يبرز خصوصيتها، وطريقتها الفردية في التفكير والتعبير والعيش.

صدرت نوفيلا "حقائق الحياة الصغيرة" عن دار المتوسط، إيطاليا، 2021، في 118 صفحة، من القطع المتوسط.