مسائل في الترجمة: الحلقة الثالثة
تاريخ النشر : 2021-01-08 05:47:26
عدد المشاهدات : 160
تاريخ النشر : 2021-01-08 05:47:26
عدد المشاهدات : 160
مسائل في الترجمة: الحلقة الثالثة
ا.د. كاظم خلف العلي
من الشعارات التي قمت برفعها ومحاولة نشرها بين طلابي المتدربين شعار "عاش الدراخون Long Live the Memorizers " فالحفظ عن ظهر قلب للكلمات والتعابير والأمثال والأبيات الشعرية والنصوص المأثورة وترديدها يقوي ملكة اللغة وينميها ويؤثر في المتلقين تأثيرا بالغا. هذه المحفوظات تقوم بدور رقابي (monitoring role) مهم على ما ننتجه لغويا فهي تصحح أخطاءنا النحوية بوعي أو بلا وعي منا. وعلاوة على هذا فهي تكون لنا مثل خزين الجمل المحفوظ في سنامه حين نحتاج للتأليف والتعبير عن أنفسنا (composing and expressing ourselves) كما وأن المحفوظات تزيد من شجاعتنا وجرأتنا الأدبية في المواقف التواصلية الشفاهية. ولنا في الكثير من الخطباء السياسيين والدينيين المفوهين (mouthed orators) خير مثال فمقدرتهم اللغوية تدهشنا من ناحية السلامة اللغوية ومن ناحية الاسترسال الخطابي. وربما يعيب علي البعض من طلابي طلبي منهم القيام "بالدرخ" وأقول ردا على هؤلاء البعض أن جلّ ما نفعله في أقسام اللغات والترجمة متعلق بتنمية قدراتنا اللغوية ، والمؤثرون لغويا من خطباء سياسيين ودينيين طوروا قدراتهم الخطابية من خلال "الدرخ" وأن "الدرخ" فتح لهم أبوابا واسعة لدخول المجتمع ونيل القيمة الاعتبارية والمكانة. هؤلاء المؤثرون لغويا ينالون مكانة في "صدر الديوان" وفي فريق المفاوضات العشائري وغير العشائري وخطبة النساء حتى وإن كانوا لا يملكون مالا أو منصبا. وفي أمثالنا الشعبية نؤثر البلاغة اللغوية على الصدق الإنساني فنقول "الجذب المصفط أحسن من الصدك المخربط" Arranged lies are far better than awkward truth. و في مسرحية الملك لير وفي اللحظة التي يقرر بها الملك تقسيم مملكته بين بناته الثلاث غونريل وريغان وكورديليا تقوم الأختان الكبيرتان بناء على طلب والدهما بالتعبير لغويا بأفضل وجه عن حبهما له فتنالان حصصا كبيرة من المملكة وحين يسأل الصغيرة كورديليا التي تكظم حبها لأبيها في صدرها ولا تتمكن من مجاراة أختيها ترد بالقول "لا شيء" فيرد عليها أبوها الغاضب "لا شيء يأتي من لا شيء Nothing will come of nothing" و تعني أن قلبها فارغ من حبها له وهي على هذا الأساس تحرم من كل إرث في المملكة. قدرتنا اللغوية إذن هي طريقنا للنجاح في الترجمة واللغات والمجتمع وخير سبيل لذلك هو بحفظ المأثورات من نصوص دينية وشعرية وخطابية وأحكام وقصص. ولا تتوفر في الكثير من المؤسسات التعليمية التي تدرس اللغات الأجنبية أو الترجمة الفرص التعليمية المناسبة لكي يقوم المتدربون بممارسة وتطبيق ما يتعلمونه، وبناء على ذلك أرى أن يقوم اولئك المتدربون بخلق الفرص التعليمية بأنفسهم. فعلى سبيل المثال ينبغي أن يقوم المتدربون بتعليم الآخرين لا فقط حبا بنقل المعرفة بل ولتحسين أداءهم و تقويته هم بالذات فالمثل الأمريكي يقول "إن أردت أن تتعلم شيئا فعلمه If you want to learn "something teach it . لماذا يكون التدريس خير وسيلة للتعلم؟ لأن المدرس كثيرا ما يقوم اثناء التدريس بالتكرار والإعادة فتترسخ الأمور جيدا لديه بالدرجة الأولى ولدى المتعلمين بالدرجة الثانية، وبالتدريس قد يتعرض المدرس للسؤال والاستفهام وتصبح المادة التعليمية بفعل الأسئلة والإيضاحات التي يقدمها أكثر رسوخا أيضا. علينا أن ندرس أبناءنا واخواننا واصدقاءنا وزملاءنا ما نتعلمه من تعابير وامثال وحكم ونصوص أجنبية لكي نتعلم بصورة أفضل و لكي نقوم بفضيلة نقل المعرفة. ومن الفرص التعليمية التي علينا أن نخلقها هي الاستفزازات الودية friendly provocations لبعضنا البعض عن طريق سؤال الزملاء والأصدقاء عن معاني المصطلحات والكلمات والتعابير. ويمكن أن تبدأ عملية الاستفزاز و التعلم بالانطلاق من المفردات المعروفة و المضي الى اصطلاحاتها. فمفردات مثل elephant و sheep و moon الإنكليزية معروفة لدينا لكن ما الذي تعنيه مصطلحات مثل white elephant و black sheep و blue moon ؟