الترجمة و الكورونا : مقاربات
تاريخ النشر : 2020-08-14 12:50:30
عدد المشاهدات : 346
تاريخ النشر : 2020-08-14 12:50:30
عدد المشاهدات : 346
الترجمة و الكورونا: مقاربات
ا.د. كاظم خلف العلي
قسم الترجمة - كلية ا{داب – جامعة البصرة
كوفد-19 (covid- 19) مصطلح نم نحته من بدايات أحرف ثلاث كلمات هن على التوالي ((corona, virus, disease و الرقم (19) يشير إلى سنة اكتشافه لفايروس ينتقل بين بني البشر و يقوم بشكل خاص على تعطيل عمل الرئتين و تلف الجهاز التنفسي و يقوم الكثير من أهل العربية بتصويت / نقحرة (transliterating) الكلمتين (corona virus) قائلين (فايروس كورونا أو كورونا فايروس ) ، و فرقت العربية فيه بين الجانحة (endemic) التي تستوطن بقعة معينة و الجائحة (pandemic) التي تنتشر في أماكن كثيرة لا حصر لها. و من جهود المترجمين و اللسانيين العرب التي برزت مع انتشار الجائحة التعامل مع كم المصطلحات الجديدة المنحوتة مثل covidiot و covexit وcovideo party و quaranteams و غيرها كثير.
و بعد انتشار الفايروس انتشارا واسعا في مدينة ووهان الصينية، قامت الصين بنشر كتاب عن الفايروس و تداعياته بعنوان (حروب الدولة العظمى) لخصت فيه بداية ظهور الفايروس و أساليب التعامل معه و الوقاية منه بموجب التعليمات التي أصدرتها لجنة الصحة الوطنية الصينية و مكتب الدولة للطب الصيني و ترجمته من ثم إلى ست لغات . و تولت مصر ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية و نشر تقارير موجزة تتعلق بالتجربة الصينية في مواجهة الجائحة. و من جانبها قامت اسبانيا بترجمة و نشر العديد من التقارير و الكتب ذات الصلة بالفايروس متصدرة بقية دول العالم في هذا الشأن (جريدة المترجم العراقي-دار المأمون للترجمة و النشر – نيسان 2020).
و لعل من أهم ما فرضته الجائحة على بني البشر هو العزلة تحت شعار (stay at home – خليك بالبيت) طلبا للسلامة، و العزلة شرط أساس لكل من يريد أن يحقق انجازا في الترجمة. فالأخبار تقول لنا ، مثلا، أن المترجم العربي الكبير منير البعلبكي اعتكف في بيته أربعة عشر عاما من أجل أن يقدم لنا موسوعة المورد و كانت زوجه تقوم بجميع الواجبات الاجتماعية و غير الاجتماعية نيابة عنه. و مؤخرا تحدثت التقارير أيضا عن فرض العزلة التامة على المترجمة الفرنسية كارول ديلبورت في أحد الأقبية لتقوم بترجمة أحد أعمال الروائي الأمريكي الأكثر مبيعا دان براون (https://rommanmag.com/view/posts/postDetails?id=5747).
أدى الاهتمام بانتشار الجائحة و انتقال العدوى بها و سبل مقاومتها و الشفاء منها إلى ازدهار حركة الترجمة الطبية العلمية من و بين لغات العالم المختلفة و خصوصا من اللغة الصينية موطن الوباء الأصلي و لغات مراكز البحوث و المستشفيات في العالم المتقدم إلى بقية لغات العالم و خصوصا تلك الناطقة باللغات المهيمنة كالإنكليزية و الألمانية و الفرنسية و بدرجة أقل الروسية. لكن مما تجدر الإشارة إليه هو أن الكم الهائل من تلك الترجمات (التحريرية) كانت تتم عبر الشبكة العنكبوتية العالمية بمواردها المختلفة من مواقع رسمية و صحفية و شخصية و مواقع التواصل الاجتماعي (توتر و فيسبوك و انستغرام و غيرها) علاوة على الترجمة الهاتفية و ذلك تطبيقا لمبدأ التباعد الفيزيائي (physical distancing) و الذي ميزه الكثير من المترجمين عن و فضله على التباعد الاجتماعي ((social distancing.
و إذا كانت الجائحة أثرت إيجابيا في ميدان الترجمة العملية و زيادة الترجمة في الميدان الطبي و على وجه الخصوص في ميدان الفايروسات و اللقاحات و الأدوية و المعقمات الكيميائية، فإنها أثرت أيضا في مجالات البحث و التدريس الترجمي الأكاديمي. فبسبب اغلاق الجامعات و منع الطلبة و الاساتذة من الالتحاق بقاعاتهم الدراسية خشية انتقال الوباء، اضطرت الجامعات إلى الخوض في تجربة التعليم الإليكتروني و اللجوء إلى المنصات المختلفة لإلقاء المحاضرات و الندوات و البصمات الصوتية مثل (telegram, zoom, google meeting, fcc, google classroom, edmodo) و غيرها. و بدأت اقسام الترجمة في جامعات العالم بالتعاون مع بعضها البعض في استقدام المحاضرين المحليين و العرب و الأجانب. و بدأ البحث أيضا في جانب ايجاد أفضل المنصات و الصيغ و الأسئلة الموضوعية و المقالية من أجل إخضاع الطلبة للامتحانات الفصلية و النهائية بالرغم من امتعاض الكثير من التدريسيين على ذلك من باب أن المترجمين الطلبة سوف لن يخضعوا للإشراف و المراقبة المباشرة و بالتالي عدم ضمان نزاهة النتاجات الترجمية و الفقرات البحثية.
غير أن الجائحة أثرت سلبيا بشكل كبير على قطاع الصناعة الترجمية (translation industry)، فمع زيادة اجراءات اغلاق الحدود و الأجواء و توقف الشركات أو تعليق العمل فيها و انحسار قطاع السياحة تم تسريح الكثير من الموظفين ، و منهم المترجمين ، بسبب الضائقة الاقتصادية المترتبة عن تلك الظروف و عن توقف عمليات تصدير النفط و انحدار اسعاره إلى أدنى المستويات غير المسبوقة. و مثالا عن عمليات تسريح المترجمين هذه تلك التي تمت بشكل ملحوظ من شركات النفط المختلفة العاملة (المحلية الأهلية منها و العربية و الأجنبية) في حقول نفط البصرة جنوبي العراق.
و بسبب السعي الحثيث لمراكز البحوث في دول العالم المختلفة و زيادة التقارير الطبية الصادرة يوميا، أصيبت الدقة التي كانت مثار اهتمام الباحثين في الترجمة لسنين عديدة في بعض الأحيان بمقتل لا بسبب عدم كفاءة المترجمين أنفسهم بل بسبب تضارب التقارير المنشورة و المعلنة عن الفايروس و تغيرها من وقت لآخر مثلما حصل في تضارب تصريحات مسؤولي منظمة الصحة العالمية (الدكتورة ماريا كيركوف Maria Kerkhove ) بشأن ندرة انتشار الفايروس من المصابين الذين لا يظهرون أية اعراض و اضطرار المنظمة إلى تعديل ذلك التصريح https://www.foxnews.com/science/coronavirus-asymptomatic-spread-rare-who.
و في نطاق تدريب المترجمين (translator training) و توجيههم ، يمكننا الاستفادة من ارشادات منظمة الصحة العالمية (WHO) الصادرة بشأن الوباء و تطويعها لمصلحة المتدربين و المبتدئين في الترجمة. و يمكنني تسجيل و مقاربة تلك الارشادات بالنقاط الآتية: