مسائل في الترجمة
تاريخ النشر : 2020-12-28 04:09:04
عدد المشاهدات : 75
تاريخ النشر : 2020-12-28 04:09:04
عدد المشاهدات : 75
مسائل في الترجمة
ا.د. كاظم خلف العلي
(3) ممارسة الترجمة (translation practice) قديمة جدا مثلما هو واضح من الحكاية التوراتية (Biblical story) حول بداية الترجمة في بابل، غير إن دراسة الترجمة دراسة أكاديمية علمية و موضوعية لم تنشأ إلا في الجزء الثاني من القرن العشرين. و يمكن القول بأن ما لدينا من دراسات و آراء و نظريات ترجمية سابقة للنصف الثاني من القرن العشرين لا تنطبق عليه مقاييسنا الحالية في البحث العلمي و الأكاديمي ، و كانت عبارة عن مقدمات (prefaces) يكتبها المترجمون لترجماتهم مبينين أسباب الترجمة و صعوباتها و أساليبهم في الترجمة أو إخوانيات (brotherly/sisterly writing) يمتدح الزميل أو الصديق زميله أو صديقه على ترجمته لعمل من الأعمال الشعرية غالبا. غير أن هذه الكتابات غير العلمية و غير الأكاديمية كانت كتابات مهمة و مؤثرة و شكلت الكثير من الجدل الدائر حول الترجمة على مدى قرون و منها رأي شيشرو (Cicero) الذي يقول في ترجمته لأثنين من خطباء أثينا:
و لم أترجمهما كمترجم، بل كخطيب ، محافظا على الأفكار و الصيغ ذاتها، أو مثلما يقول أحدهم رموز الفكر، لكن بلغة تطابق استعمالنا . و بفعلي هذا فإنني لم أر من الضروري أن أترجم كلمة بكلمة بل انني حافظت على الأسلوب العام و قوة اللغة.
أو رأي شفيع المترجمين القديس جيروم St. Jerome) ) الذي يقول :
لا أعترف الآن فقط بل أعلن بحرية أنني في ترجمتي من الإغريقية- ما عدا حالة الكتاب المقدس بالتأكيد حيث يحتوي حتى النحو على الغموض- فإنني ترجمت ليس كلمة بكلمة و لكن معنى بمعنى.
و تطورت هذه الآراء و "النظريات" غير الأكاديمية بترجمة مارتن لوثر(Martin Luther) للكتاب المقدس للألمانية بلهجة عامية واضعا القارئ نصب عينيه قائلا:
عليكم أن تسألوا المرأة في بيتها و الأطفال في الشارع و الرجل العامي في السوق و تنظروا لأفواههم كيف يتكلمون و تترجمون بتلك الطريقة. حينها فقط سيفهمون و يرون أنكم تتكلمون معهم بالألمانية.
و نمضي مع لوثر إلى الشاعر الإنكليزي جون درايدن (John Dryden) الذي قسم الترجمة إلى ثلاثة أنواع هي:
و نسير بعد درايدن مع أول شهيد للترجمة و هو الفرنسي إتيان دوليه (Etienne Dolet) الذي أدانت كلية اللاهوت بجامعة السوربون أضافته لكلمتين أو ثلاث في ترجمته هي (rien du tout ) لأحد حوارات أفلاطون بتهمة التجديف فأعدمته السلطات حرقا. و سطر لنا دوليه في 1540 مقالة بعنوان "طريق الترجمة الجيدة من لغة لأخرى" و وضع فيها خمسة مبادئ للترجمة هي:
و بعد دوليه يكتب لنا الكسندر فريزر تايتلر (Alexander Fraser Tytler) في 1790 مقالة بعنوان "مقالة في مبادئ الترجمة" مؤسسا لثلاثة شروط في الترجمة لا تختلف كثيرا عن شروط دوليه الأمرية، و هي:
و يأتينا فريدرك شلايرماخر (Friedrich Schleiermacher ) بعد تايتلر مقترحا علينا طريقتي "التطبيع و التغريب" و يسميهما naturalising و alienating اللتين يحولهما باحث ترجمي معاصر هو لورنس فينوتي إلى Domestication و Foreignizing. و يرى شلايرماخر أن أمام المترجم الحقيقي طريقان : إما أن يترك المؤلف بسلام كلما أمكن و ينقل القارئ باتجاه المؤلف، أو أن يترك القارئ بسلام كلما أمكن و ينقل المؤلف باتجاه القارئ. و بهذا نكون قد تناولنا أهم معالم الطريق في الكتابات النظرية عن الترجمة التي سبقت منتصف القرن العشرين.