قصص بداية الترجمة مهمة من الناحية التاريخية . و واحدة من تلك القصص هي القصة التي جاءت في سفر التكوين (Book of Genesis) و هي القصة المسماة ببرج بابل (Tower of Babel). تقول القصة أن الله خلق جميع بني البشر و جعلهم يسكنون مدينة بابل العراقية . و حدث ذات يوم أن قرر أهل بابل (Babylonians) بناء مدينة عظيمة ببرج يصل إلى عنان السماء لأجل تعظيم أنفسهم و الحفاظ عليها من التشتت. غير أن الله، كما تقول القصة، رأى في ذلك تحد لسلطته و جبروته و قرر معاقبة اهل بابل فهبط إلى المدينة و قال لملائكته "انظروا . إنهم متحدون. و هم يتكلمون اللغة ذاتها ". و رأى الله أن البابليين بفعلتهم هذه لن يكونوا عاجزين عن القيام مستقبلا بأي شيء يريدونه فقرر تشويشهم بلغات متعددة و بعثرتهم على باقي كوكب الأرض . و هكذا احتاج أهل بابل الذين أصبحوا متعددي اللغات ((multilinguals بعد أن كانوا أحاديي اللغة ((monolinguals إلى الترجمة فبدأت الترجمة منذ هذا الزمن السحيق. هذا النص التوراتي يتناقض مع النص القرآني القائل "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ". فاختلاف الألسنة كما يقول الباري عز و جل هو من آيات القدرة و علاماتها، و هي على هذا الأساس موضع تخطيط الله و تدبيره و ليس أمرا عفويا أو تصادفيا مثلما يرد في القصة التوراتية. و ربما تكون الحكاية التوراتية حدثت إلا أن القصد و التخطيط الرباني يبقى قائما بحسب النص القرآني. و من قصص بدايات الترجمة قصة حجر رشيد و هو حجر صدر مع مرسوم في ممفيس في مصر في 196 قبل الميلاد مكتوب بالهيروغليفية و الهيراطيقية و اليونانية القديمة تم اكتشافه في قرية رشيد بدلتا مصر عام 1799 من قبل احد جنود حملة بونابرت على مصر. أما في العراق، فيقال أن الملك سركون الأكدي كان يعلن في رقيمات طينية عن انتصاراته باللغتين السومرية و الأكدية باستعمال الرموز المسمارية. و في فارس هناك نقش بهستون (Behistun inscription) المكتوب بثلاث لغات هي الفارسية القديمة و البابلية و العيلامية و يحكي عن انتصارات الملك داريوس و سيرته الشخصية.
2. جذور المترجم الحقيقية تبدأ من حبه و متابعته للأفلام الأجنبية مثل "العراب The Godfather" و "كل شيء هادئ في الجبهة الغربية All is Quiet on the Western Front" و "أماديوس Amadeus" و المسلسلات الأجنبية مثل "الجذور The Roots" و "كوكب القردة Planet of the Apes" و "الحسناء و الوحش Beauty and the Beast" و وجوه الحسناوات الشقراوات و الأبطال في افلام و مسلسلات الوسترن و المناظر الخلابة و كلمات اغاني المطربين و الفرق الأجنبية مثل "ديميس روسوس Demis Roussos" و "بول آنكا Paul Anka" و "آبا Abba" و "التون جون Elton John" ، و من رغبة متعلم اللغة الأجنبية في التفوق و التباهي على أقرانه في درس اللغة الأجنبية و من رغبته أيضا في مساعدة الآخرين فيما يعرض لهم من أمور الحياة التي تبرز فيها اللغة الأجنبية. و يمكن أن تكمن بذرة تعلم اللغة الأجنبية و الترجمة أيضا من رغبة معرفة الآخر "العدو" تمثلا بما ينسب للرسول الكريم (ص) من قول : من تعلم لغة قوم أمن شرهم. و في السياق الأخير يحضرني ما ورد في كتاب "الأمريكي المعقود اللسان: مواجهة محنة اللغة الأجنبية The Tongue-Tied American: Confronting the Foreign Language Crisis" للسناتور بول سايمون Paul Simon متحدثا عن الأضرار و التكاليف الباهظة لأحادية لغة الأمريكيين و ثقافتهم و عن تفوق الوفد السوفييتي على نظيره الأمريكي في مباحثات نزع الأسلحة لأن السوفييت كانوا يجيدون اللغة الإنكليزية و كانوا على هذا الأساس يفهمون أصلا ما يقوله الأمريكان باللغة الإنكليزية قبل أن يقوم المترجم بترجمة الآراء الأمريكية إلى الروسية و كانت هذه العملية تعطي السوفييت امتيازا زمنيا لبلورة ردهم على العكس من الأمريكان الذين لم يكونوا يعرفون الروسية.